قطار التطوير يصطدم بأماكن تاريخية وتراثية.. والحكومة توقف هدم مقابر الإمام الشافعي
• خبير باليونسكو: فقدنا 16 مبنى تاريخيًا.. واللجنة الوزارية وضعت بدائل وحلول لتفادى إزالة المقابر• مواطنون: عيشنا لحظات الموت مرة ثانية بنقل الرفات إلى العاشر من رمضان.. وإحدى المتضررات: «ما بقتش عارفة مكانه لبعد المسافة»
نفذت الحكومة في السنوات الماضية مشاريع لربط أحياء القاهرة ببعضها لتسهيل التنقل داخل العاصمة. خلال تنفيذ هذه المشاريع، تعرضت بعض الأماكن التاريخية والتراثية مثل مقابر الإمام الشافعي والإمام التونسي والإمام الليث والسيدة نفيسة والسيدة عائشة للصدمات من قبل قطار التطوير.
أعمال التطوير تسببت فى نقل رفات الموتى من مناطق الدفن المعروفة للأهالى، إلى مدن 15 مايو وبدر والعاشر من رمضان، كمقابر بديلة للمتضريين من أعمال التطوير، حيث تعارضت أماكن المقابر مع أعمدة المحاور المرورية الجارى تنفيذها، ويتبقى الكثير من المواطنين لم ينقلوا رفات أسرهم ولم يستلموا مقابر بديلة حتى الأن، ويخشى أحدهم أن يتوفى أحد أفراد أسرته ولا يجد له مكانًا يدفنه فيه.
وخلال الفترة الأخيرة، سادت حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعى، لإزالة قبة حليم باشا المعروفة بقبة «مستولدة محمد على»، واستمر الجدل حول هدم المقابر التراثية جنوب محافظة القاهرة، حتى أقر رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولى، بالمشكلة ووعد بعدم تكرارها، حيث قال فى مؤتمر صحفى، إنه: «حدثت مشكلة فى أثناء العمل بمنطقة المقابر، وهذا أمر لن يتكرر وتقرر وقف الهدم والإزالة فى المنطقة»، مؤكدًا احترامه للمبانى والأماكن التاريخية والتراثية بالدولة.
«عيشنا لحظة موتهم تانى».. بهذا الكلمات تحكى نجوى مجدى، إحدى سكان محافظة القاهرة، عن معاناة أسرتها وقت نقل رفات الموتى من مقابر السيدة نفيسة إلى مدافن العاشر من رمضان، بعد مخاطبة التربى بمنع الدفن فيها مرة أخرى ونقل الرفات، وفقًا لقرار محافظ القاهرة بمنع الدفن بمقابر الإمام الشافعى والسيدة نفيسة، تمهيدًا لإزالة بعضها لتعارضها مع تنفيذ محاور مرورية.
وأضافت نجوى مجدى لـ«الشروق»: «مفيش حد من الأسر استخرج الرفات إلا واتكسر قلبه ككسرة يوم الوفاة بالضبط»، مشيدة بقرار رئيس الوزراء بسرعة وقف أعمال الهدم بمنطقة مقابر الإمام الشافعى.
وقال أحمد سامى، أحد مواطنى محافظة القاهرة، لـ«الشروق»، إن الأسر التى تمتلك مدافن فى المناطق المخططة للتطوير (الإمام الشافعى – السيدة نفيسة) أرسلت مناشدت كثيرة للعديد من الجهات المختصة، ولم يستجب أحد لهم ولمطالبهم بالحفاظ على المقابر التراثية التى تعد من معالم القاهرة التاريخية، مضيفًا أن قرار وقف إزالة المقابر تأخر كثيرًا والمسئول عن طمس الهوية المصرية للدولة أو شطب تاريخ رموزها لا بد أن يحاسب على كل ما ارتكبه بحق الموتى.
وذكرت سلوى إمام، إحدى المتضررات التى تمتلك مقابر فى منطقة الإمام الشافعى بمحافظة القاهرة، إن الجهات التنفيذية بالمشروع أخطروها بنقل رفات أسرتها من مدافن السيدة نفيسة وتم نقل الرفات إلى مقبرة فى مدينة العاشر من رمضان، معبرة عن حزنها لعدم زيارة أهلها كل جمعة، كما اعتادت منذ وقت طويل، قائلة: «ما بقتش عارفة مكانه.. راحت فين قدسية وحرمة الموت فى هذا الزمن».
ومن جانبه، قال طارق المرى، استشارى الحفاظ على التراث وخبير مركز التراث العالمى باليونسكو، إن منطقة سفح المقطم بداية من حى البساتين حتى منطقة العباسية، الجارى إزالة المقابر فيها جنوب محافظة القاهرة الفترة الحالية أوقفها عمرو بن العاص لدفن موتى المسلمين.
وأضاف المرى، لـ«الشروق»، أن أشهر من الشخصيات التى تم دفنها فى تلك المقابر عمرو بن العاص والإمام الليث والإمام ورش وعائلة محمد على باشا ومحمد محمود ومحمود سامى البارودى وأحمد شوقى وأكثر من 100 ولى من وألياء الله الصالحين كعز بن عبدالسلام، إلى جانب بعض الفنانين مثل أم كلثوم وغيرها من الرموز الكبيرة.
وأشار إلى أن تلك المناطقة تسمى بقيع مصر، وهى أكبر وأقدم مقابر إسلامية فى العالم، معتبرًا أن النسيج العمرانى الموجود فى تلك المقابر والقباب نسيج تاريخى لا يمكن التخلص منه لأنه جزء من القاهرة التاريخية المسجلة فى قائمة التراث العالمى.
وأوضح أن تلك المقابر أو القباب تعج بأشياء مميزة كالرسومات والشواهد ما يستدعى الحفاظ عليها وتسجيلها كمناطق أثرية يأتى إليها الكثير من الناس من بلدان العالم لرؤيتها والاطلاع على تاريخ مصر، مطالبًا بترميم بعض المبانى والمقابر التاريخية والتخلص من المياه الجوفية، حفاظًا على جزء من تاريخنا وحرمة موتانا.
ونبه المرى إلى أن خطة الطرق والمحاور تم وضعها منذ أكثر من عام وبناء عليه وجه رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة من الخبراء لدراسة المنطقة، وشكل رئيس مجلس الوزراء لجنة تحت إشراف وزير التعليم العالى أيمن عاشور، وأساتذة تخطيط وعمارة من كل الجامعات المصرية، ودرست المسارات الموضوعة بالخطة المستهدفة، ووجدوا أنها ستخترق الجبانات عبر مسار صلاح سالم وأقرت بتغيير هذا المسار لعدم هدم المقابر.
واستطرد: «اللجنة وضعت خطة لمسارات سياحية للمنطقة كمسار الصالحين ومسار كبار رجال الدولة ومسارات تاريخية للمبانى ذات الطرز المعمارية المتميزة، ووضعت حلول للتخلص من المياة الجوفية دون المساس بالمقابر والقباب، وتم عرض الخطة على مجلس الوزراء ووافق عليها رئيس الجمهورية».
وأكد المرى، أن الجهات التنفيذية بالمشروع تجاوزت هذا الأمر وتجاهلت التوصيات وتسعى فى طريقها للتطوير وفقًا للمخطط القديم دون تنسيق مع أعضاء اللجنة، مطالبًا بتنفيذ المخطط البديل الذى وضعته اللجنة المشكلة تحت إشراف وزير التعليم العالى، التى أصدرت توصيات وبدائل وحلول ومن ثم لا يجب تجاهلها والاستمرار فى الإزالة.
وبيّن المرى، أن الأعمال الجارية خلال الفترة الحالية أسفرت عن إزالة 16 مبنى فى تعداد التراث خلال الأسبوعين الماضيين، منهم الإمام ورش وأحمد محمود، ومحمود سامى البارودى، وأحمد شوقى، وحوش عائله ذو الفقار الحكيم، وكان بها صلاح وعز الدين ذو الفقار وإيهاب نافع، وحوش عائلة ثابت (الدكتور صالح والد سوزان مبارك ووالدتها)، وحوش قاسم باشا محمد.
وتابع: «كما تمت إزالة حوش عائلة آل العظم السورية، وفاطمة هانم برلانتة، وصاحب الدولة حقى العظم أول رئيس وزراء لسورية، وحوش الفريق إسماعيل باشا سليم، ناظر الجهادية فى عهد محمد سعيد والقائد الحربى فى حرب كريت، وقبة الأمير محمد عبدالحليم ابن محمد على الكبير، وبها والدته نام شاذ قادين، وحوش برهان، وحوش حجازى وحوش جنينة، موضحًا أن هناك مبانى وقبابًا أكثر من التى تم إزالتها، وأنه يجب وضعها فى إطار يليق بتاريخ ومكانة مصر».