وزير الأوقاف: الأخلاق هي الركيزة الأساسية للإسلام و45 ألف حديث نبوي تحث على الفضائل والقيم

في كلمته خلال احتفالات المولد النبوي الشريف التي أقيمت بمركز المنارة الدولي للمؤتمرات بالقاهرة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري أن هذه الذكرى تُصادف مرور ألف وخمسمائة عام على مولد النبي صلى الله عليه وسلم، داعيًا إلى استلهام معاني التجديد الديني، وأن يكون ذلك نتاجًا علميًا شاملًا، لا مجرد شعارات أو خطابات نظرية.
الأخلاق هي أعظم ألقاب الإسلام
أوضح وزير الأوقاف أن جوهر الرسالة المحمدية هو الأخلاق، مشيرًا إلى أن خمسة آلاف حديث نبوي فقط من أصل نحو خمسين ألف حديث تتعلق بالعبادة، بينما تدور البقية حول القيم والآداب والطهارة. وأكد على ضرورة الجمع بين “قيم البقاء” التي تحمي المجتمعات و”قيم التقدم” التي تبني الحضارات.
أكد وزير الأوقاف أن مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تبذل قصارى جهدها لإنهاء الحرب في غزة، وترفض رفضًا قاطعًا تهجير الفلسطينيين. ودعا إلى أن يكون العمل الخيري والتجديدي والأخلاقي ركيزةً أساسيةً في العمل الديني والوطني، وأن تكون الرسالة المشتركة للمؤسسات الدينية في العالم الإسلامي.
وفيما يلي النص الكامل للخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رب الماضي والحاضر، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسنا حفظه الله.
جلالة الإمام الأعظم حفظه الله.
عزيزي المشاركين،
يشرفني أن أتقدم إليكم جميعًا، الشعب المصري، والأمتين العربية والإسلامية، والإنسانية جمعاء، بأصدق التهاني بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، سائلًا الله عز وجل أن يعيده علينا وعليكم بالخير والبركات والسعادة.
ولاحقا:
وبإذن السيد الرئيس، أود أن أركز حديثي على بعض المواضيع:
الموضوع الأول:
لاحتفالنا اليوم بالمولد النبوي الشريف ميزةٌ جوهريةٌ تميزه عن احتفالاتنا كل عام. فاحتفالنا اليوم، في عام ١٤٤٧ هـ، يصادف أيضًا مرور خمسة عشر قرنًا على مولده الشريف. لذا، نحتفل اليوم ببداية قرن، ولن يتكرر في القرن القادم. وإن كنا اليوم في بداية قرن، فهذا يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها».
بعد عقود من المعاناة التي سببها فكر الإرهاب، الذي دمر الأمم ودمر العقول، لعل الله يوفقنا لنشهد مئوية النبي محمد، لعلها تُبشر بتجديد الدين، وإطفاء نيران التطرف، وظهور جوهره وعظمته. قال الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة: “التجديد هو إعادة عظمة الدين، وإزالة الأوهام التي تعلقت به، وإظهاره للناس نقيًا كنقاء جوهره، ونقاء أصله”.
منذ سنوات، أتابع الكتب التي تتناول موضوع التجديد، مثل كتاب الإمام السيوطي (هبة من اهتدى بأخبار الرسل)، وكتاب العلامة محمد حامد المراغي الجرجاوي (شهوات معرفة الرسل)، وكتاب الأستاذ أمين الهولي (الرسل في الإسلام)، وكتاب الأستاذ عبد المطلب السعيدي (الرسل في الإسلام)، وكتاب محمد أبو المزايا الكتاني (دروس العلماء المجتهدين). يختلف العلماء حول بداية القرن، هل هي في مولده، أم في رسالته، أم في هجرته، وهل هي بدايته أم نهايته، لكننا نبحث عن أي جانب يفتح لنا باب الأمل والطموح لفهمه. وقد خرجت بملاحظتين:
ملاحظة أولى: كان معظم من وُصفوا بالاجتهاد والابتكار مصريين: عمر بن عبد العزيز، والإمام ليث بن سعد، والإمام الشافعي، والإمام عز بن عبد السلام، والإمام ابن دقيق العيد، والإمام تقي الدين السبكي وابنه الإمام تاج الدين، والإمام السيوطي، وعشرات غيرهم. ذكرهم الحافظ السيوطي في كتابه (حسن المحاضرة) وختم بقوله: “ومن الطريف أن أكثر من بعث في أوائل القرون كانوا مصريين”، ثم قال: “وربما كان من بعث في أوائل القرن التاسع من أهل مصر”. ولم يُخيب الله آماله وآماله، فأصبح مُجدد عصره، ونرجو اليوم بفضل الله العظيم أن يكون التجديد من أرض مصر، وأن يكون هبةً لإخوانه وللعالمين.
ملاحظة ثانية: هناك فرق بين الحديث عن التجديد والحديث عن التجديد. الطريقة الأكثر شيوعًا للحديث عن التجديد هي الحديث عنه. يقولون: “أين التجديد؟”، “نريد التجديد”، “إنه ضروري”، و”إنه ضروري”. يناقشون التجديد بإسهاب، وضرورته، وأهميته، ونقص التجديد لدينا، والآثار السلبية لغيابه. كل هذا حديث عن التجديد.
إن ما هو على المحك هو صناعة ضخمة تشمّر عن سواعدها وتضع برامج تعليمية وتدريبية تُدرّس علوم الشريعة الجامعة، وعلوم الحقيقة الجامعة، والعلوم التي تربط بينهما. وهذا سيُنشئ أجيالًا مُتعمقة في فهم الشريعة السامية وإدراك الحقائق، بارعة في الربط بينهما. لعل الله أن يُمنّ عليهم بالبصيرة والفهم والنور والبصيرة والتوفيق، حتى تُنمّي هذه الجهود التعليمية والتدريبية عقولًا قادرة على فهم تعقيدات العصر وموازينه وعلاقاته، ومن ثمّ إيجاد إجابات لجميع أسئلته وأزماته ومصائبه وتحدياته ومشاكله وتعقيداته. وهكذا تبرز صناعة التجديد في أبهى صورها.
المسألة الثانية: جعل الله الأخلاق أعظم سمات هذا الدين الحنيف، وجعلها أعظم فضائل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم). وقد تتبعنا أحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم جمعًا وافيًا، وحذفنا التكرار فيها، فتساءلنا: كم عددها؟ فرأينا الحافظ ابن حجر، إمام المحدثين، يقول: (لو اتبعت من المسند والجامع والسنن والأجزاء وغيرها من غير تكرار لما بلغت خمسين ألفًا).
إذن، لدينا خمسون ألف حديث، مجموع الهدي النبوي الشريف في جميع الشعائر والعبادات والفرائض والأحكام. وكما أشار الإمام الغزالي، فهي لا تتجاوز خمسة آلاف حديث. فإذا طرحنا خمسة آلاف من خمسين ألفًا، بقي لدينا خمسة وأربعون ألف حديث تدور حول الأخلاق والآداب والفضيلة والخلق والطهارة والآداب والذوق الرفيع في جميع تفاصيل الحياة، في ظاهرها وباطنها. فخلاصة هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن هناك بحرًا واسعًا من الأخلاق والآداب في جميع جوانب الحياة، ومن هذا البحر ينبع نور العبادة والتقدم.
الأخلاق والقيم نوعان: قيم البقاء، وقيم بدء الحياة. قيم البقاء هي القيم التي تضمن بقاء واستمرارية الأفراد والمجتمعات، كالصبر، والعفو، والصفح، وكظم الغيظ، والصدق.
أما القيم الأولية فهي التي تُوجِّه المجتمعات نحو التطور والتحضر والتقدم وبناء المؤسسات وبناء الحضارة. وهذا من أعظم مقاصد الشريعة. هذه القيم هي: الطموح، والإبداع، والذكاء، والفكر، والقدرة، والتطور، والاستدامة، والعمل، والنجاح، والجمال المحبوب من الله، والمنافسة، والانقطاع، والتضحية بالنفس، واكتشاف المواهب وبناء العقول، والارتقاء بالمعرفة، والابتكار، والتقدم المستمر في كل شيء، والشغف ببلوغ أعلى القمم في كل شيء، وبناء الحضارات ومواجهتها. ويمكننا أن نستشهد بعشرات ومئات الأحاديث النبوية لكل قيمة من هذه القيم. حينئذٍ تُبنى الأوطان وتُقوَّى، ويستقر نموها واقتصادها، وتدافع عن رؤاها وكلماتها وقراراتها. فأين أنتم أيها المسلمون؟ أين أنتم أيها العلماء والفقهاء؟ أين أنتم أيها الدعاة والوعاظ؟ أليس هذا جوهر هداية نبيكم صلى الله عليه وسلم؟ ألن يأتي يوم القيامة ويقول لنا: “لقد قصرتم في تبليغ هدايتي وشريعتي”؟ وماذا في ذلك؟ سنجيب على هذا السؤال في أكبر تجمع، واليوم لا تزال أمامنا فرصة لنلملم شتات أنفسنا ونتحرك.
نحن المصريون المؤمنون بقيم العدل، الرافضون للظلم والعدوان، نبذل قصارى جهدنا، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإطفاء نار الحرب في غزة والضفة الغربية. نرفض رفضًا قاطعًا، قيادةً وشعبًا، تهجير إخواننا الفلسطينيين من أرضهم، وندعوهم إلى التمسك الكامل بوطنهم رغم التضحيات الجسيمة. نؤمن بأنه لا حل للأزمة إلا بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
المسألة الثالثة: قبل نحو ثمانمائة عام، في أرض مصر، قام أستاذنا وشيخنا إمام المصلحين الإمام العز بن عبد السلام، فقال: (لو اجتمعت مقاصد الشريعة في كلمة واحدة لرأيتم ما هي؟ قال: هي كلمة لا).
ومن هذا الحديث الحكيم، تأملتُ القرآن الكريم، فرأيتُ فيه ثلاث كلمات علّمنا الله أن نربطها بكل شيء: الإحسان، والكمال، والرحمة. قال الله تعالى: “الذي أتقن كل شيء خلقه”، وقال الله تعالى: “صنع الله الذي أتقن كل شيء”، وقال الله تعالى: “رحمتي وسعت كل شيء”. فأكمل كل شيء، وأكمل كل شيء، ورحم كل شيء، وكأن الله تعالى يُعلّمنا قائلاً: “أحسنوا في كل شيء، وأتقنوا كل شيء، وارحموا كل شيء”. ثم فكرتُ: ما الفرق بين الإحسان والكمال؟ اتضح لي أن الإحسان أعلى من الكمال، بل هو قمة الكمال. الكمال هو القيام بما يجب فعله كما ينبغي، والإحسان هو الكمال بالمحبة. فإذا كمّل الإنسان الكمال ممزوجًا بالمحبة، نشأ العطاء، إذ قد يكمل وهو غاضب أو حاقد أو عاجز، فيصبح كمالًا محدودًا، جزئيًا، مظلمًا، عقيمًا. لكن إذا أحب ما يُكمله، كان مُبدعًا، يُبدع ويُكمل ويُطور ويُجدد ويُزيد ويُكمل فيه، فيُوجد الكمال، الذي هو قمة جبل الكمال.
باختصار، ركزتُ اليوم على ثلاث كلمات: التجديد، والأخلاق، والإحسان. هكذا يقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ذكرى مولده المبارك، مرور ألف وخمسمائة عام. هذه سنته، وهذه رسالتنا في وزارة الأوقاف وسائر المؤسسات الدينية الإسلامية حول العالم. هذه هي الميراثات النبوية التي نتشرف بخدمتها وتقديمها للمسلمين والعالم.
صلى الله عليه وسلم، أكرم الناس، وأوسعهم قلبًا، وأصدقهم حديثًا، وأوفى الناس، وألطفهم، وأكرمهم. من رآه خافه، ومن عرفه أحبه. قال عنه قاصه: ما رأيت قبله ولا بعده مثله.
كان منذ صغره معتاداً على الزهد والعبادة والعزلة، كما هو حال النبلاء.
إذا دخل الهدى إلى القلب، قامت الجوارح بالعبادة.
فوسع العالمين بالعلم والصبر، فهو بحر لا يتسع.
معجز في القول والفعل، كريم في الخلق والخلق، عادل وكريم
سيد الضحك والابتسامة والمشي البطيء والنوم
كل التعاطف والعزيمة والتصميم والكرامة والعصمة والتواضع