مفتي الجمهورية: الحوار ضرورة لمواجهة التحديات.. والزكاة تشمل دعم المتضررين ومجالات جديدة

مفتي الديار المصرية الدكتور وأكد نذير عياد أن تعزيز الحوار هو الأداة الأمثل للتغلب على التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، مشيرا إلى أن غياب الحوار كان ولا يزال أحد الأسباب الأساسية للمعاناة التي تواجهها الإنسانية.
وأوضح في حواره اليومي الرمضاني مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج “اسأل المفتي” على فضائية “إن إن آي مصر”، أن الحوار البناء المبني على القيم الإنسانية والدينية المشتركة يساهم في تقريب وجهات النظر بين الشعوب والثقافات. حضرة. واستشهد بأمثلة منها وثيقة المدينة المنورة التي حدد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ التعايش والإخاء بين المذاهب المختلفة، ووثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعت في العصر الحديث ودعت إلى التقارب بين أتباع الديانات المختلفة على أساس القيم المشتركة.
وأكد مفتي الجمهورية التركية أن ضرورة الحوار لا تقتصر على العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، بل ينبغي أن تشمل الحوار الإسلامي الإسلامي، وأن له دوراً هاماً في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين، وضد حملات التشويه والتحريف للشريعة الإسلامية. وأشار إلى أن حالة الصراع والاختلاف بين بعض المسلمين تضعف الأمة وتسمح لأعدائها بالتلاعب بها، مما يستوجب البحث عن نقاط الاتفاق والتفاهم لتعزيز وحدة صفوف الإسلام.
التقى المفتي في مؤتمر الحوار بين الشرق والغرب الذي عقد في مملكة البحرين عام 2022، مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. وتطرق إلى الدعوة التي أطلقها الأزهر الشريف برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. وأكد الدعوة على أهمية الحوار الإسلامي-التركي كخطوة ضرورية للتغلب على التحديات التي تواجه البلاد. وأضاف أن هذه المبادرة تنبع من إدراك خطورة الوضع الراهن، حيث تحاول أطراف متعددة تعميق الانقسامات داخل البلاد. وهذا يتطلب عملاً جدياً لتوحيد الجهود بدلاً من تركيزها على الصراعات والخلافات.
وفي سياق كلمته، استشهد المفتي بآيات من القرآن الكريم تؤكد على أهمية وحدة الأمة الإسلامية وتوافقها. ومنها قول الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} [البقرة: 143]، {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110]، {إن أمتكم أمة واحدة}. أنا ربك. {فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92] وقد أدرجت الآيات. وأكد أن هذه النصوص القرآنية تضع مسؤولية كبيرة على المؤسسات الدينية والأكاديمية لضمان الوحدة بين المسلمين ونبذ الفرقة.
وتطرق أيضاً إلى مؤتمر “الحوار الإسلامي – الإسلامي” الذي حظي باهتمام كبير. وأثارت قضايا أساسية مثل توحيد الجهود الإسلامية والبحث عن أرضية مشتركة بين مختلف الطوائف والحركات الفكرية داخل البلاد.
وأوضح أن نتائج مهمة تم التوصل إليها في هذا المؤتمر، وتم التأكيد على ضرورة تجاوز الخلافات البسيطة التي لا تمس القضايا الأساسية، وضرورة أن نسامح بعضنا البعض على اختلافاتنا مع التركيز على العديد من مجالات الاتفاق.
دكتور. وأوضح نذير عياد أن الدعوة للحوار والتقارب بين المسلمين تنطلق من جملة من المبادئ أهمها العودة إلى مفهوم الأخوة الإسلامية الحقيقية، التي تتطلب تجنب الصراع والتكفير والبدعة. ولفت إلى خطورة هذه الأحداث التي تؤدي إلى الاعتداء على العقائد، ومن ثم على الأرواح والشرف والممتلكات. وأكد أن أخطر ما يواجه الأمة اليوم هو المساعي الرامية إلى إثارة الفتنة بين أبناء الوطن. وهذا يتطلب التضامن لمواجهة التحديات بوعي ومسؤولية.
وأضاف أن المؤتمر الإسلامي – الإسلامي يهدف إلى جمع قادة الأمة الإسلامية بمختلف توجهاتها الفكرية ومدارسها الفقهية للوصول إلى رؤية مشتركة حول كيفية مواجهة تحديات اليوم. وأكد الرئيس أن المشاركين في المؤتمر اتفقوا على أن الأمة تواجه مخاطر متعددة وأن السبيل الوحيد للنجاة منها هو الوحدة والتضامن، مذكرا بقول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (آل عمران: 103).
وأشار المفتي إلى أن جلسات المؤتمر ناقشت العديد من القضايا المهمة المرتبطة بشكل مباشر بقضية الصراع والخلاف داخل الأمة الإسلامية، مؤكداً أن هذه الظاهرة تشكل عاملاً مهماً يتيح للأعداء التلاعب بقدرات المسلمين وإضعاف قوتهم. وأكد أن الحوار والاستماع لوجهات النظر المختلفة يساعد على تصحيح المفاهيم الخاطئة ويهدي الإنسان إلى الطريق الصحيح بعيداً عن الشك أو الأحكام الجائرة.
وفي إطار حديثه عن أهمية الحوار، أشار الدكتور ح. وقد روى موقف النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه شاب يستأذنه في الفاحشة. حضرة. لقد تعامل النبي معها بحكمة وهدوء، ولم يرفضها رفضاً قاطعاً، بل دخل معها في حوار وسألها: “أترضين هذا لأمك؟” سأل. هل تقبل هذا لأختك؟ هل تقبل هذا لعمتك؟ فأجاب الشاب بالنفي في كل مرة، حتى اقتنع تماماً بأن هذا الفعل غير قانوني، فتوقف عن فعله. وأكد المفتي أن هذا النموذج في إدارة الحوار النبوي ينبغي أن يكون منهجاً لجميع المسلمين في التعامل مع الخلافات، لأنه يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة، كما عبر عنه الله تعالى في قوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125].
وأكد مفتي الجمهورية على ضرورة تعزيز ثقافة الحوار داخل المجتمع الإسلامي، ليس على مستوى القيادات الدينية والعلمية فحسب، بل على مستوى الأفراد والرأي العام. وأكد أن التحديات التي تواجه البلاد تتطلب تنسيق الجهود والعمل المشترك لتحقيق الوحدة ونبذ الفرقة والفتنة. وأضاف أن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق البناء والتقدم، داعياً الجميع إلى الالتزام بالمبادئ الإسلامية التي تدعو إلى الإخاء والرحمة والتسامح.
وفي نهاية الحلقة أجاب سماحة المفتي على أسئلة المشاهدين حول الزكاة؛ ومن بين هذه الأمور: هل يجوز تخصيص الزكاة لمساعدة المتضررين في غزة؟ وأكد مفتي الديار أنه لا مانع من ذلك، إذ يعد من صور التكافل الاجتماعي، خاصة في ظل الأزمات الإنسانية، بشرط أن يبين المزكي أو الدافع أن الأموال من زكاته الخاصة.
ورداً على سؤال امرأة عن جواز إخراج الزكاة من والدها وهو محتاج، أوضح أنه يجوز للمرأة أن تعطي زكاة مالها لأبيها. لأنه ليس عليه واجب شرعي ينفق عليها، فالأفضل والأفضل أن ينفقها على سبيل المعروف لها، لا أن يجعلها زكاة؛ لأنه يؤكد أن الله تعالى سهل عليه هذه المهمة.
وفي جوابه عن سؤال وجوب الزكاة في وديعة زواج الأطفال، أفاد أن الزكاة مشروطة بشروط، منها بلوغ النصاب ومضي الحول حتى لو صرف المال في غرض معين. وأشار إلى أن بعض العلماء اختلفوا في مسألة المال الزائد، لكن الأفضل الابتعاد عن الجدل والالتزام بإخراج الزكاة عند توفر الشروط الشرعية.
وعن الارتباط الجغرافي بين الزكاة وتوزيعها، أوضح أن الأمر مرن، ومن الممكن البدء من المحتاجين في منطقة السكن، أو إرسالها إلى أقاربهم. وأكد أن القاعدة الشرعية تؤيد إعطاء الزكاة للأقارب أولاً، وأن جواز نقل الزكاة لا يقتصر على حدود البلاد.
وفيما يتعلق بالزكاة على المشاريع، أوضح المفتي أن الزكاة تجب على جميع الأصول وفق الضوابط الشرعية، باستثناء الحاجات الأساسية كالسكن والسيارة. وأكد أنه إذا بلغت أصول المشروع الحد الأدنى وجب إخراج الزكاة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
واختتم المفتي كلمته بالتأكيد على أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وأنها فُرضت لضمان التكافل والعدالة الاجتماعية. وأكد أن الزكاة ثابتة ومرنة ويمكن صرفها في أي وقت وأي مكان. وأكد أيضاً أن كل قضية يجب أن تعالج وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية المعمول بها.
وعن أوجه صرف الزكاة المشروعة، أوضح أن أوجه صرف الزكاة محددة في القرآن الكريم، ولكن من الممكن توجيهها إلى أوجه أخرى تدخل في باب “في سبيل الله”، بشرط استغلال أوجه الصرف غير الموجودة اليوم، والالتزام بالضوابط الشرعية المحددة، ومراعاة المصالح العامة للشعب والدولة.