رئيس هيئة الرقابة المالية: التحول الرقمي أساس لتعزيز دور القطاع المالي غير المصرفي

ألقى الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، كلمةً خلال مشاركته في المؤتمر الدولي السنوي لمعهد التخطيط القومي بعنوان “الابتكار والتنمية المستدامة”، والذي عُقد على مدار يومين بفندق إنتركونتيننتال بالقاهرة. وأوضح أن الهدف الرئيسي من القرارات والتشريعات التي أصدرتها الهيئة هو الوصول إلى أكبر عدد من المتعاملين في قطاعات التمويل وأسواق رأس المال والتأمين، مما يُسهم في توسيع قاعدة الشمول المالي وتسهيل الوصول إلى الخدمات المالية غير المصرفية. وأكد على الدور الهام الذي تلعبه التكنولوجيا المالية.
التحول الرقمي
أوضح الدكتور فريد أن التكنولوجيا المالية تُساعد على تحقيق أهداف ادخارية واستثمارية تراكمية طويلة الأجل، مما يُسهم في بناء طبقة متوسطة ثرية على المدى البعيد. وأوضح أن الهيئة أجرت تحليلاً لجذور مشكلة ضعف معدلات الانتشار، وتحديداً معدل وصول المستفيدين إلى الخدمات المالية غير المصرفية وحصولهم عليها، والذي يلعب دوراً كبيراً في هذا الصدد، وكشف عن وجود عائق تكنولوجي يُعيق تحقيق هذه الأهداف. وأكد على أهمية رقمنة المعاملات المالية غير المصرفية، لما لها من أهمية في إتمام المعاملات. كما أكد على ضرورة أن تتمتع المنصات الإلكترونية ببنية تحتية قوية قادرة على التكيف مع النمو، وأن تتوفر لديها أنظمة حماية إلكترونية تضمن سلامة البيانات واستمرارية الخدمة حتى في مواجهة الزيادة المفاجئة في عدد المستخدمين.
وأكد اهتمام الهيئة بتطبيق منظومة متكاملة ترتكز على ثلاثة مكونات: التحقق الإلكتروني من الهوية، والعقود الرقمية، وربط بيانات الهوية بأرقام الهواتف المحمولة. وأشار إلى أن هذه الخطوة تُمهد الطريق لتحقيق نقلة نوعية، مشيرًا إلى أنه وفقًا للبيانات التي نشرتها الهيئة مؤخرًا، تم فتح أكثر من 200 ألف حساب جديد في صناديق الاستثمار بالذهب خلال عام، باستثمارات تجاوزت ملياري جنيه مصري، وهي منتجات غير مألوفة بالسوق. كما أشار إلى أن عدد المستثمرين الجدد في سوق رأس المال ارتفع من 25 ألف مستثمر سنويًا إلى أكثر من 350 ألف مستثمر في عام 2022، وأكثر من 270 ألف مستثمر في عام 2023، وهو معدل أعلى بعشرة أضعاف من المعدل الطبيعي. كما أشار إلى أن القيمة السوقية للشركات المدرجة في البورصة المصرية ارتفعت من حوالي 400 مليار جنيه مصري في أغسطس 2022 إلى 2.4 تريليون جنيه مصري اليوم.
تحدث الدكتور فريد عن استكمال الهيئة للأطر القانونية والتنظيمية المشجعة للاستثمار. وفي مجال التمويل الجماعي، أشار إلى أن الهيئة طورت نموذجًا مرنًا يسمح بمواءمة مختلف لوائح التمويل الجماعي مع الأدوات المالية الحديثة. كما أشار إلى أن الهيئة تستعد لإصدار قواعد تنظيمية لتشغيل المنصات الرقمية للاستثمار في صناديق الاستثمار العقاري. وأكد أن الهيئة ستتخذ الخطوة الأولى نحو إصدار لوائح تنظيمية لصناديق الاستثمار العقاري.
فيما يتعلق بسوق المشتقات، أوضح رئيس الهيئة أن الإطار القانوني الأساسي موجود بالفعل في قانون أسواق رأس المال، إلا أن الهيئة تعمل حاليًا على إعداد تشريع جديد يحدد آلية تسوية العقود في حال إفلاس أحد الأطراف. سيُمكّن هذا التشريع، المعروف بقانون “Net-On-A-Net”، المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية، من دخول سوق المشتقات بضمانات وآليات قانونية واضحة.
وأضاف الدكتور فريد أن التكنولوجيا المالية ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لزيادة معدل الادخار في المجتمع، وبالتالي زيادة الاستثمار وتمكين الاقتصاد من تمويل نفسه ذاتيًا دون الاعتماد كليًا على التمويل الخارجي. لذا، فإن التكنولوجيا المالية هي السبيل لبناء اقتصاد متناغم ذي طبقة متوسطة.
شارك الدكتور إسلام عزام، نائب رئيس هيئة الرقابة المالية، في حلقة نقاشية بعنوان “ابتكارات التكنولوجيا المالية والتنمية المستدامة” خلال المؤتمر، إلى جانب الدكتورة هالة السعيد، مستشارة رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية السابقة، وإبراهيم سرحان، رئيس مجلس إدارة مجموعة إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية. وأدار الحلقة الدكتور أشرف العربي، رئيس معهد التخطيط القومي.
استعرض الدكتور إسلام جهود الهيئة في تعزيز استخدام التكنولوجيا المالية من خلال قراراتها، والتي بدأت بصدور القانون رقم 5 لسنة 2022، الذي ينظم استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية، ثم المرسوم رقم 58 لسنة 2022 بشأن شروط وإجراءات تأسيس وترخيص واعتماد الشركات والهيئات التي تنوي ممارسة أنشطة مالية غير مصرفية باستخدام تقنيات التكنولوجيا المالية.
وأوضح أن المؤسسة أصدرت القرار رقم 2023/139 بشأن المعدات والبنية التحتية التكنولوجية وأنظمة المعلومات وأدوات الحماية والأمن اللازمة لاستخدام التكنولوجيا المالية في ممارسة الأنشطة المالية غير المصرفية.
القرار رقم 140 لسنة 2023 بشأن الهوية الرقمية والعقود الرقمية والسجلات الرقمية ومجالات استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية ومتطلبات الامتثال هو أول قرار تنظيمي تصدره الجهات الرقابية على القطاع المالي ويصف بالتفصيل متطلبات التعريف الإلكتروني الرقمي للعملاء.
بالإضافة إلى القرار رقم 2023/141 بشأن تنظيم استخدام الاستعانة بمصادر خارجية للتكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية، فقد تم النص على أنه يمكن توفير خدمة تحديد هوية العملاء الإلكترونية وسجلات العقود للشركات المالية العاملة في هذا المجال.
كما أشار إلى أن القرار رقم 30 لسنة 2025، الذي يُلزم شركات التأمين، والشركات والهيئات المرخصة لمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية باستخدام التكنولوجيا المالية، والشركات المسجلة في سجل خدمات الاستعانة بمصادر خارجية للتكنولوجيا المالية، بمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية، والاستفسار عن صحة بيانات عملائها المتعلقة بأرقام الهوية الوطنية وملكية أرقام الهواتف المحمولة، والاستفسار عما إذا كان العملاء مدرجين على قوائم مكافحة غسل الأموال والوقاية منها عند توقيع أو تجديد العقود مع العملاء، يُعدّ أحد إجراءات التحقق من هوية العملاء من خلال نظام الربط الإلكتروني الذي توفره الهيئة. ويهدف هذا القرار إلى التحسين المستمر للإجراءات وتسهيل إصدار وثائق التأمين عن بُعد.
صرح الدكتور إسلام بأنه استمرارًا لجهود الهيئة في تعزيز البيئة القانونية والتنظيمية لزيادة مستويات الاستقرار المالي وحماية حقوق المشتغلين بالأنشطة المالية غير المصرفية ودعم الشركات حديثة التأسيس، ومراعاة للظروف الراهنة في الاقتصاد الإقليمي والتحديات التي تواجهها الشركات حديثة التأسيس، أصدرت الهيئة القرار رقم 268 لسنة 2023 بشأن قواعد وإجراءات تأسيس وترخيص الشركات حديثة التأسيس في مجال التكنولوجيا المالية لمزاولة أنشطة التمويل غير المصرفي. ويحدد القرار الشروط التي يجب أن تتوافر في الشركات حديثة التأسيس في مجال التكنولوجيا المالية التي ترغب في ممارسة أي من أنشطة التمويل غير المصرفي، ومنها تأسيس شركة مساهمة مصرية، وألا يقل رأس مال الشركة المصدر والمدفوع عن 15 مليون جنيه مصري لكل نشاط، وإعداد دراسة فنية واقتصادية للشركة، وألا تقل نسبة ملكية خبراء التكنولوجيا سواء كانوا أشخاصًا طبيعيين أو اعتباريين عن 25% من رأس مال الشركة.
كما أشار إلى أن الهيئة أطلقت مختبرًا تنظيميًا لتطبيقات التكنولوجيا، يُمكّن العاملين في القطاع المالي غير المصرفي من استخدام التكنولوجيا المالية وإجراء اختبارات، تشمل تطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة ونماذج الأعمال والآليات ذات الصلة، للجهات التي تسعى للتسجيل والتسجيل في سجل التعهيد الخارجي للهيئة في مجالات التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية. وسيعزز هذا المختبر جهود الهيئة في دعم الشركات الجديدة العاملة على أساس التكنولوجيا الرقمية في تقديم الخدمات المالية غير المصرفية، مما سيرفع مستوى الابتكار في القطاع المالي غير المصرفي، ويؤدي إلى توسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المالية غير المصرفية، وتطوير قدرات وإمكانات الشركات المالية غير المصرفية ومقدمي الخدمات على أساس رقمي.
قالت المستشارة الاقتصادية لرئيس الجمهورية ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية السابقة الدكتورة هالة السعيد، إن قطاع التكنولوجيا المالية استقطب أكبر قدر من الاستثمارات خلال السنوات الخمس الماضية، مشيرة إلى أن عدد شركات التكنولوجيا المالية زاد خمسة أضعاف ونصف، كما ارتفع معدل الشمول المالي بين الأشخاص فوق سن 15 عاماً إلى ما يقرب من 75%.
وأشاد بالتأثير الإيجابي للتكنولوجيا المالية على التنمية المستدامة في كافة أبعادها، حيث ساهمت في تحسين وتبسيط المعاملات المالية، وأدت إلى رفع معدلات الشمول المالي.
وأشار إلى التحديات التي تواجه التكنولوجيا المالية، مثل الفجوة الرقمية في بعض المناطق الجغرافية وبين الرجال والنساء، والأمن السيبراني، والحاجة إلى زيادة الاستثمار في التكنولوجيا المالية، وتخزين البيانات ومعالجتها التي تتطلب الاستثمار والموظفين، وحوكمة النظام البيئي للتكنولوجيا المالية.