«الشروق» تتجول فى أم درمان القديمة لرصد بقايا حياة دمرتها الحرب
• مدير التلفزيون بمكتب الخرطوم: رغم الخراب الأرشيف بخير ولم يتم المساس به.. و«الدعم السريع» حولت أجزاء من المبنى إلى معتقل• زين العابدين: الميليشيا حطمت متحف بيت الخليفة عبد الله التعايشى ونهبت ما يحتويه من قطع أثرية• تدمير أكثر من 80% من البنية التحتية لسوق أم درمان.. وتاجر سودانى: الميليشيا سرقت منزلى ومحلى ولم تترك لى أى شىء
عندما نتجول في شوارع مدينة أم درمان القديمة، نشعر وكأننا نعود إلى زمن لم يمضي بعيدًا. لكن الخراب والدمار الكبير الذي نراه يحكي قصة حياة انقضت منذ مدة بعيدة.
وتُعد أم درمان أحد أهم وأبرز مدن السودان، والتى تُمثل الضلع الثالث للعاصمة الخرطوم، وهى نقطة الوصل والالتقاء بين النيلين الأزرق والأبيض، كما أنها رمز للعاصمة الوطنية فى التاريخ الحديث، وتضم عددا من المعالم التاريخية والثقافية والسيادية، حيث المسرح القومى، ومقر الإذاعة والتلفزيون الرسمى، وبيت الخليفة عبدالله التعايشى، وقبة الإمام المهدى، وجامعتى الأحفاد وأم درمان الأهلية، وناديى الهلال والمريخ، ومستشفى السلاح الطبى والكلية الحربية وقاعدة وادى سيدنا العسكرية. ومع اندلاع الحرب بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع، سيطرت الأخيرة على مناطق عديدة ومقار حيوية بالمدينة لتتمكن من السيطرة على مفاصل العاصمة، واتخذت من مبنى الإذاعة والتلفزيون مقر لقيادتها العسكرية. لكن بعد شهور من سيطرة الميليشيا على تلك المناطق استطاع الجيش السودانى عقب معارك شرسة بسط سيطرته مجددا على المدينة، وقد قامت «الشروق» الأسبوع الماضى، بزيارة إلى أم درمان بدأت بالسفر من مدينة بورتسودان فى ولاية البحر الأحمر والتى تبعد أكثر من 12 ساعة بالسيارة عن مدن العاصمة المثلثة. بدأت الجولة الميدانية بمقر الإذاعة والتلفزيون الرسمى الواقع شرق أم درمان، والذى تحول إلى هيكل محترق يخترقه الرصاص، وتناثرت بقايا سيارات البث المباشر التابعة للتلفزيون المحترقة والمحطمة حول المبنى.وقال مدير التلفزيون بمكتب الخرطوم، مستور على إسماعيل إنه بعد سيطرة الدعم السريع على المبنى تم نقل بث الإذاعة إلى مدينة عطبرة أما التلفزيون فيتم بثه من بورتسودان، مشيرا إلى أنه رغم كل هذا الخراب إلا أن الأرشيف بخير ولم يتم المساس به.وأضاف إسماعيل لـ «الشروق» خلال الجولة بداخل المقر المدمر، أنه فى بداية الحرب استطاع العاملون بالإذاعة والتلفزيون إيقاف وتعطيل إشارة البث مما أفشل مخطط قائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتى» فى إيصال رسالته، آنذاك، موضحا أن الميليشيا استدعت مهندسين تابعين لهم وتمت سرقة بعض أجهزة الكمبيوتر والذاكرة وكل السيرفرات التى تم التعرف عليها، أما التى لم يستدلوا عليها فحطموها، كما سرقوا وأحرقوا العديد من سيارات البث.وأشار إلى مبنى الحسابات وقال هذا المكتب تحول إلى معتقل للمدنيين.بعد ذلك، استكملت الجولة الجولة بالتوجه إلى بيت الخليفة عبد الله التعايشى، فى حى الملازمين، ذلك المبنى الأثرى الذى تحول إلى متحف عام 1928، ويضم آثار الدولة المهدية والحكم التركى كذلك الحكم الثنائى المصرى البريطانى.وقال المشرف على المتحف، جمال محمد زين العابدين لـ «الشروق» إنه قد تم نهب المتحف من قبل الميليشيا، حيث تمت سرقة 4 سيوف أثرية، أبرزهما «سيف الإمام محمد أحمد المهدى، وسيف الأمير عبد الرحمن النجومى»، كما تمت سرقة عملات الدولة المهدية المصنوعة من الحديد والنحاس، بجانب سرقة الأسلحة النارية من مسدسات وبنادق المصنوعة من الخشب النادر، مؤكدا أن ما لم يستطع عناصر الدعم السريع سرقته قاموا بتكسيره.وكانت سوق أم درمان شاهدة أيضا على ويلات الحرب، فهذه السوق التى لم تتوقف حركتها التجارية لقرابة 100 عام على الأقل، حولتها الحرب إلى حطام، حيث تم تدمير أكثر من 80 % من بنيتها التحتية، وسرقة ونهب جميع المحلات بها. وقال الحاج مصطفى صاحب أحد محلات الأقمشة بالسوق والمقيم بحى المسالمة الشهير بأم درمان إن «الدعم السريع اقتحم بيتى، وسرقت منى كل شىء، حتى الـ 5000 جنيه سودانى (ما يعادل 2 دولار) لم يتركوها فى جيبى».واستكمل الحاج مصطفى حديثه لـ «الشروق» بعد أن وصلنا إلى داخل محله، قائلا: «منعونا من دخول السوق، والحرب لما قامت كنت فى بيتى وشوفت بضاعتى المسروقة من المحل بتعدى عليا قصاد عينى، وبيحملوها على عربيات». وفى ذات السياق، تضرر القطاع الصحى والطبى بصورة بالغة فى مدن العاصمة على مدار أشهر الحرب، حيث أوضح الناطق الرسمى باسم وزارة الصحة بالخرطوم الدكتور محمد إبراهيم أن الميليشيا استهدفت هذا القطاع منذ الساعات الأولى للحرب بصورة أساسية، فتم تدمير الصندوق القومى للإمدادات الطبية والذى يتضمن مخزون الدواء والمواد الصيدلانية لجميع ولايات السودان، كما تُقدر الخسائر المبدئية بالقطاع الطبى بـ 11 مليار دولار على مستوى ولاية الخرطوم فقط. وأضاف إبراهيم لـ«الشروق» خلال لقائه بمكتبه بمدينة أم درمان، أننا نعمل بطاقة 27 مستشفى من أصل 54 كانت فى الخدمة قبل الحرب، موضحا أن بقية المستشفيات خرجت عن الخدمة حيث اتخذتها الميليشيا كثكنات عسكرية.