قريبًا: حزمة حلول استثنائية من مدبولي لتقليل الدين وتحسين مستويات المعيشة
مقال رئيس الوزراء: الدين بين لحظة الذروة ومسار التصحيح
نشرت الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء مؤخرًا مقالًا للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بعنوان: “الدين بين لحظة الذروة ومسار التصحيح: كيف تقرأ الدولة عبء اليوم؟”.
في المقال، يؤكد رئيس الوزراء أن مشكلة الدين العام وخدمة الدين في مصر لم تعد مجرد أرقام إحصائية، بل أصبحت قضية تهم المواطنين تُعبر عن قدرتهم على الاستمرار في ظل الضغوط المعيشية المتزايدة. يتزايد هذا القلق مع ارتفاع تكلفة الحياة وتناقص هوامش الإنفاق العام، مما يؤدي إلى رؤية مشوشة تتمحور حول العلاقة بين الديون المرتفعة والضغوط اليومية. ومن هنا، تلتزم الحكومة بالتعامل مع هذه القضية بشفافية وعمق، فالإدارة الاقتصادية تتطلب فهمًا واسعًا للسياقات الدولية والصدمات المتلاحقة التي أثرت على النمو والتمويل في العالم خلال السنوات الأخيرة.
منذ عام 2020، لم يكن وضع مصر منفصلًا عن الظروف الدولية، بل تعرضت لبيئة دولية مضطربة، بدءًا من جائحة عالمية وصولًا إلى صدمة تضخمية حادة ثم تشديد نقدي سريع. لقد كانت الضغوط المرتبطة بالديون بمثابة عبء للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مما أدى إلى مرحلة الانتقال من إدارة الأزمة إلى إعادة ضبط المسار.
قد يظن البعض أن الأرقام الحالية تشير إلى نهاية الطريق، لكن الحالة المصرية تثبت أن التحول الجاري لا يعتمد فقط على حجم الدين، بل على اتجاه حركته ومصادر تمويله. فقد أصبحت الدولة مدفوعة للدين الخارجي بنحو 3.4 مليار دولار على مدار عام، رغم ارتفاع الرصيد العام بفعل التراكمات السابقة. تم تحويل التزامات قائمة بقيمة 11 مليار دولار إلى استثمار مباشر طويل الأجل، مما يعكس تحولًا في السلوك المالي من الاقتراض قصير الأجل إلى شراكات طويلة الأمد مرتبطة بالقدرة الإنتاجية. هذا الاتجاه يدعم التوجه نحو تقليل ضغوط إعادة التمويل، مما يمنح المالية العامة مساحة أكبر للإدارة.
يجري ذلك التحول من خلال أدوات غير تقليدية مثل آلية مبادلة الديون، حيث لعبت مصر دورًا رئيسيًا في عام 2024، مما عكس اعتماد الدولة على أساليب معترف بها دوليًا لتخفيف العبء المالي وتحويل جزء من الالتزامات الدينية إلى موارد تدعم أولويات التنمية بدلاً من استمرارية استنزافها في خدمة الدين.
وبالتالي، يصبح السؤال الحقيقي متعلقًا بكيفية إدارة الدين، ولأي غرض يُستخدم، وكيف تتوزع تكلفته عبر الزمن. الدين الذي يضغط على الميزانية ويقيد الإنفاق الاجتماعي يختلف كثيرًا عن دين يُعاد توجيهه لتمويل استثمارات تخفف أعباء السداد وتدعم النمو. ولذلك، تمر الدولة في هذا المسار المعقد الذي لا يخلو من الكلفة، ويعكس توجهًا للتحول من التمويل الطارئ إلى الاستدامة المالية.
تدرك الحكومة أن النقاش حول الدين يرتبط بلحظة معينة تعكس استحقاقات سابقة مع محاولات تصحيح لاحقة، حيث تظهر الأرقام بأقصى درجات حدتها قبل أن تبدأ بالانحسار. تُظهر التجارب الدولية أن كُلفة التحول غالبًا ما تتجسد في صورة ضغوط مالية مرتفعة قبل أن تظهر آثار إعادة الهيكلة على مؤشرات الاستدامة. لذلك، يتطلب التقييم العادل التمييز بين القراءات السطحية للأعباء والقراءات الأعمق لمسار العمل الجاري.
لذلك، تركز الحكومة على إدارة ملف الدين بشكل معقد، يميز بين الضغوط الظرفية والاختيارات الاستراتيجية. الدولة التي تواجه ذروة في خدمة الدين ليست بالضروري في الاتجاه الخاطئ، فليس من الضروري أن يعني التحسن المؤقت في الأرقام بناء أساس اقتصادي قوي. إن المعيار الأهم في تقييم السياسات هو اتجاه الحركة: هل يتغير هيكل التمويل؟ هل تتراجع الاعتمادية على الديون قصيرة الأجل؟ هل يتم استبدال الالتزامات المالية بتدفقات قادرة على خلق قيمة مضافة مستدامة؟ عند هذا الحد، يتحول التقييم إلى موضوعي، ويقدم نقاشًا أكثر عمقًا حول تأثير السياسات.
من هذا المنطلق، تعتبر الحكومة أن المرحلة الراهنة تمثل اختبارًا لصمود الاختيارات، أكثر مما هي اختبار لصحتها النظرية. الانتقال من اقتصاد يعتمد على نتيجة دين سريع إلى اقتصاد يجذب استثمارًا أطول، ويتوزع فيه أعباء التمويل عبر الزمن، لا يخلو من الكلفة، ولكنه يعكس محاولة واعية لكسر حلقة الاستدانة المتكررة.
وبالطبع، يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة هو كيفية إدارة هذه اللحظة مع الرأي العام، ليس عبر التقليل من حجم العبء، بل من خلال وضعه في سياقه الصحيح. الأزمات المالية لا تقاس فقط بأرقامها، بل بقدرة الدولة على تحويلها من نقاط ضعف إلى دوافع لإعادة الانضباط والانتقال إلى مسار تصحيحي طويل النفس.
في السنوات الأخيرة، أصبح هناك طرح يربط ملف الدين بتمويل مشروعات معينة، ويعبر عنه بطريقة تختزل الأزمة في مشروعات يُعتقد أنها بلا جدوى اقتصادية. وقد حظي هذا الطرح بقبول واسع في الرأي العام، لما يقدمه من تفسير مبسط لقضية معقدة. ولكن هذا النقاش يغفل أن مشروعات البنية التحتية لا تُقام فقط لأجل الربح، بل تساهم في تحسين الظروف الاقتصادية وتوفير فرص العمل وزيادة الإنتاجية.
كما أن الدين لم يكن فحسب ناتج تلك المشروعات، بل تشكل في سياق صدمات خارجية فرضت على الدولة تمويل الفجوات للحفاظ على الاستقرار. وبالتالي، فإن اختزال أزمة الدين في “طرق وكباري” لا يمثل تشخيصًا دقيقًا، بل يعطل النقاش حول كيف نُحوّل الاستثمارات المادية إلى قاعدة إنتاجية تعزز بالتالي بناء الإنسان.
تلتزم الحكومة بأن يكون مسار إدارة الدين جزءًا من رؤية شاملة للإصلاح، بدلًا من كونها هدفًا قائمًا بذاته. فالنجاح الاقتصادي لا يُقاس فقط بتراجع الأرقام، بل بمدى تأثير تلك السياسات على حياة المواطنين وجودة الخدمات التي تُقدم لهم.
أخيرًا، يتعامل الدكتور مصطفى مدبولي مع ملف الاقتراض بحذر، مبينًا أن القروض الجديدة تُخصص فقط للاحتياجات الأساسية، مثل المنتجات البترولية والغذاء. ويشير إلى استبدال الدين بدين، مما يمنح فرصة لإطالة أمد الدين الخارجي بشروط أفضل دون زيادة القيمة الكلية.