الرئيس السيسي: تراجع النظام الدولي نتيجة ازدواجية المعايير والتهرب من العقاب

شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم في اجتماع افتراضي لرؤساء دول وحكومات دول مجموعة البريكس. عُقدت القمة بدعوة من جمهورية البرازيل الاتحادية، الرئاسة الحالية للمجموعة. تناولت القمة التطورات الدولية الراهنة، وتبادلت وجهات النظر حول التوجهات العالمية، وبحثت سبل تعزيز التنسيق بين دول البريكس لمواجهة التحديات المتزايدة، لا سيما تلك التي تؤثر على الدول النامية.
في كلمته خلال الاجتماع، شكر الرئيس رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية، السيد لولا دا سيلفا، على دعوته لعقد هذه القمة الاستثنائية. كما أوضح رؤية مصر لتعزيز التعاون والتنسيق بين دول البريكس، والمساهمة في مواجهة التحديات العالمية، وتحقيق الأولويات المشتركة، وفي مقدمتها ترسيخ السلام، ودعم الاستقرار، وتعزيز الرخاء، وضمان التنمية المستدامة لشعوب دول البريكس.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس في الاجتماع:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس لولا دا سيلفا…
رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية؛
أصحاب المعالي والسعادة رؤساء الدول والحكومات؛
ضيوفنا الأعزاء،
أودّ أولاً أن أعرب عن خالص امتناني وتقديري لصديقي الرئيس لولا دا سيلفا على قيادته الحكيمة خلال رئاسته لمجموعة البريكس هذا العام، وعلى جهود بلاده الدؤوبة التي تُوّجت بالنجاح الباهر لقمة ريو التي عُقدت في يوليو الماضي.
وأدى هذا إلى نتائج مهمة.
وأود أيضا أن أشكر الرئيس دا سيلفا على الدعوة لعقد هذا الاجتماع المهم لتبادل وجهات النظر في وقت حرج يشهد فيه العالم صراعات تهدد العمل الدولي المتعدد الأطراف، بل ومنظومة الأسس والقواعد والمبادئ التي تقوم عليها هذه الإجراءات.
النظام الدولي… منذ عام 1945.
إن المشهد الدولي اليوم مليء بالمعايير المزدوجة الصارخة والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي، مع الإفلات المنهجي من العقاب والأحادية، والارتفاع المقلق في التدابير الحمائية، إلى جانب عدم احترام هذا القانون والمساءلة عنه.
إن هذا الانحدار يهز أسس السلم والأمن الدوليين، ويعيد البشرية إلى مناخ الفوضى وانعدام القانون، ويقدس استخدام القوة كوسيلة لفرض الإرادة وتحقيق الأهداف.
على حساب الشرعية والعدالة
وفي ظل هذا التراجع، فليس من المستغرب أن تتعمق الأزمات، وتشتعل الصراعات، وتندلع الحروب، وترتكب جرائم قتل ودمار مروعة؛ وهي وصمة عار ستظل علامة لا تمحى تطارد أولئك الذين تلوثت أيديهم.
وقد أدى هذا الواقع المتفاقم إلى إضعاف فعالية العمل الدولي المشترك وتقييد قدرة البلدان والمؤسسات الدولية على معالجة القضايا العاجلة التي تتطلب التنسيق والتعاون على أعلى المستويات.
وفي هذا السياق، فإن حالة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تشكل مثالاً صارخاً على عدم كفاءة المجتمع الدولي وتراجعه، الأمر الذي أثر بشكل مباشر وسلبي على ثقة الدول في منظومة الأمم المتحدة، وخاصة في أداء مجلس الأمن نفسه.
دفع هذا التآكل في المصداقية العديد من الدول إلى المطالبة بإصلاح شامل لآليات عمل المجلس، بما في ذلك دعوة واضحة لإلغاء حق النقض (الفيتو). وقد أصبح هذا الامتياز أداةً لعزل المجلس عن الواقع، تاركًا إياه عاجزًا عن أداء دوره الأساسي في حل النزاعات وإنهاء الحروب، رغم كونه الهيئة الأممية المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين.
إضافةً إلى ما سبق، تؤثر تداعيات تدهور الوضع الدولي على مكاسب النمو الاقتصادي العالمي، وتهدد بالانهيار. يشهد العالم اليوم تباطؤًا ملحوظًا في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجعًا في التجارة الدولية، وتراجعًا في الاهتمام بقضايا التنمية وتمويلها. يحدث هذا في وقت تتسع فيه الفجوات التنموية والتمويلية والرقمية في الدول النامية، وتتزايد فيه أعباء الديون، وتضعف قدرتها على الوصول إلى مصادر التمويل الميسر. علاوةً على ذلك، فإن تأثير هذه الدول على عمل المؤسسات المالية الدولية محدود.
ومن هنا تبرز أهمية مجموعة البريكس باعتبارها منتدى دوليا ناشئا يتقدم بثبات نحو تعزيز التعاون البناء والعمل المتعدد الأطراف بين الدول الأعضاء فيه على أساس مبادئ المنفعة المتبادلة والاحترام.
وفي هذا السياق، يكتسب اجتماعنا اليوم أهمية استثنائية لأنه يوفر فرصة مناسبة للتشاور وتبادل وجهات النظر بشأن تعميق التكامل بين بلداننا وتنسيق الجهود للتخفيف من تأثير الأزمات الحالية، وبالتالي تعزيز قدرة بلدان مجموعة البريكس على المساهمة بشكل فعال في خلق نظام دولي أكثر توازناً وعدالة.
وفي مواجهة هذا الواقع المقلق، أود أن أسلط الضوء على بعض الأولويات التي نعتقد أنها تستحق الاهتمام:
أولاً – تعميق المشاورات بين دول المجموعة بشأن القضايا ذات الاهتمام والأولوية في مختلف المجالات، بما يضمن فهماً أدق لمواقف واهتمامات كل دولة ويساهم في التقريب بينها.
إن وجهات النظر والقواسم المشتركة تزيد من نفوذ مجموعة البريكس على الساحة الدولية.
ثانياً، من خلال الاستفادة من المزايا النسبية لبلداننا، من الضروري البدء في مشاريع مشتركة في قطاعات حيوية مثل الطاقة الجديدة والمتجددة والبنية التحتية والصناعة التحويلية والزراعة والبحث العلمي والتكنولوجيا والابتكار والذكاء الاصطناعي، فضلاً عن زيادة التعاون بين القطاع الخاص في بلداننا.
ثالثا: توسيع آفاق تعاوننا الاقتصادي والمالي، وخاصة من خلال حل المعاملات التجارية والمالية بين بلداننا باستخدام العملات المحلية، و…
بنك التنمية الجديد بالعملات الوطنية.
رابعا: تكثيف التنسيق بين الدول الأعضاء في التكتل بشأن إصلاح الهيكل المالي العالمي، ومعالجة مشكلة الديون، وتوفير الحيز المالي للدول النامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ودعم حصولها على التمويل الميسر، وزيادة تمثيل الدول النامية في عمليات الإدارة وصنع القرار في المؤسسات المالية الدولية.
خامسًا: تعزيز التعاون لمواجهة آثار تغير المناخ، ورفض السياسات الأحادية التي تنتهجها بعض الدول بذرائع بيئية. التأكيد على وجوب وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها بتمويل جهود التخفيف من آثار تغير المناخ، مع تزويد الدول النامية بالوسائل اللازمة لتحقيق أهدافها المناخية، كالتمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات.
وفي هذا السياق، نتطلع إلى استضافة البرازيل لمؤتمر الأطراف الثلاثين في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، باعتباره حدثاً مهماً في دفع هذه القضايا العاجلة التي تؤثر بشكل مباشر على مصالح البلدان النامية.
أصحاب السعادة الكرام،
إن التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم اليوم لا تنفصل عن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة. ويشهد الشرق الأوسط سلسلة من الأزمات التي تُلقي بظلالها الثقيلة على السلام والاستقرار الدوليين، وتُعيق التنمية المستدامة.
وفي قلب هذه الأزمات تأتي الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، والتي تتواصل بالتوازي مع الانتهاكات الصارخة التي يمارسها المحتلون في الضفة الغربية بما فيها القدس…
إن أحد أخطر الصراعات هو أيضا المظهر الأكثر وضوحا للمعايير المزدوجة وانتهاكات القانون الدولي.
منذ ما يقرب من عامين، تستخدم إسرائيل أبشع الأساليب لقتل وإرهاب المدنيين، بما في ذلك التجويع والحرمان من الرعاية الصحية… وقد أدى هذا إلى العواقب التالية…
كارثة إنسانية غير مسبوقة دفعت الأمم المتحدة إلى إعلان المجاعة في قطاع غزة.
ولم تتوقف إسرائيل عند هذا الحد، بل وسعت عملياتها العسكرية، واستمرت في تدمير أسس الحياة من أجل تهجير الفلسطينيين قسراً من أراضيهم، وتنفيذ خطة التهجير القسري، وتصفية قضيتهم العادلة.
وفي هذا الصدد، أؤكد موقف مصر الثابت، الذي يرفض رفضاً قاطعاً أي سيناريو يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم تحت أي ذريعة، باعتباره محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، وعرقلة حل الدولتين، وتوسيع نطاق الصراع، وتهديد عملية السلام في الشرق الأوسط.
وأؤكد أيضاً إدانة مصر ورفضها التام لمحاولات إسرائيل فرض السيادة على الضفة الغربية وخططها لبناء مستوطنات جديدة، والتي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والديمغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة وفرض أمر واقع يقوض حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
وقد بذلت مصر وتستمر في بذل جهود مكثفة لضمان الوقف الفوري لإطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين، تمهيداً لترتيبات اليوم التالي لإدارة وإعادة إعمار قطاع غزة.
أعدّت مصر خطة شاملة للإنعاش المبكر وإعادة إعمار غزة، حظيت بموافقة العالمين العربي والإسلامي ودعم واسع من الشركاء الدوليين. وقد أثبتت هذه الخطة بما لا يدع مجالاً للشك أن إعادة إعمار القطاع ممكنة طالما بقي الفلسطينيون على أرضهم.
وتعتزم مصر أيضاً تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وتوفير الدعم والتمويل اللازمين لتنفيذ هذه الخطة الطموحة.
ولذلك فإنني أدعوكم إلى دعم الجهود المبذولة لإحياء حل الدولتين والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبالتالي ترسيخ السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم بشكل عادل ومستدام.
سيداتي وسادتي،
وفي الختام، أتطلع إلى أن يتكلل اجتماعنا بعزم متجدد وصادق وراسخ على تعزيز عملنا المشترك وتكثيف التنسيق بين بلداننا لمواجهة التحديات الراهنة بمسؤولية ووعي، وتحقيق الأهداف والأولويات المشتركة التي اتفقنا عليها في إطار هذا الاجتماع، والمضي قدماً بما يستجيب لتطلعات شعوبنا إلى الرخاء والتنمية المستدامة والحياة الكريمة في عالم أكثر عدلاً وتوازناً.
شكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.