إلهام أبو الفتح تكتب: ماكرون يغرد

في برنامج «صباح البلد» على قناة NNI مصر، قامت الإعلامية نهاد سمير بتقييم المقال الذي حمل عنوان «تغريدات ماكرون» والذي نشرته الكاتبة إلهام أبو الفتح، رئيسة تحرير جريدة الأخبار ورئيسة شبكة قنوات ومواقع NNI مصر، في جريدة الأخبار.

صرحت إلهام أبو الفتح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فاجأ العالم بمنشوره على منصة إكس خلال اجتماعات الأمم المتحدة، حيث أعلن أن فرنسا ستعترف رسميًا بدولة فلسطين. المنشور كُتب باللغة العبرية، وكان محتواه بيانًا سياسيًا يتجاوز بكثير عدد كلماته. عندما يكتب الرئيس الفرنسي بالعبرية، فهو لا يخاطب الداخل الفرنسي ولا يوجه خطابه للدول العربية؛ بل يخاطب الجمهور الإسرائيلي مباشرةً.

كأنه يقول: “لسنا ضدكم، لكننا نؤمن أن الاعتراف بفلسطين ليس ضدكم أيضًا”. لا يمكن إصدار هذا البيان بمعزل عن توقيته. فالحرب في غزة مستمرة منذ أشهر، والوضع الإنساني كارثي، والصورة واضحة للعالم: استمرار هذا الصراع إلى ما لا نهاية أمر غير مقبول، وأي حل سلمي لا يبدأ بالاعتراف المتبادل ومنح الفلسطينيين الحد الأدنى من الحقوق الوجودية لا معنى له.

ولم يقدم ماكرون خطوة رمزية بل رؤية سياسية شاملة تربط الاعتراف بوقف إطلاق النار والإفراج عن السجناء ودخول المساعدات ونزع السلاح وإعادة إعمار غزة والحفاظ على الأمن الإسرائيلي… وفي نهاية المطاف: إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

وقد يرى البعض أن هذه الرؤية غير كافية أو غير مرضية تماما للفلسطينيين.

ولكن، وعلى الرغم من تحفظاته الكثيرة، فإنه يكسر الصمت الأوروبي المعتاد ويفتح ثغرة في جدار التردد والدبلوماسية الباردة.

لقد خرجت باريس من “المنطقة الرمادية” للمرة الأولى منذ سنوات، حيث قدمت رؤية واضحة بشأن قضية تحاول معظم العواصم تجنبها.

لا يُقاس هذا التحول بأفعال الحكومات فحسب، بل أيضًا بتأثيره المحتمل على الحكومات الأوروبية الأخرى، التي لا تزال مترددة، رغم أن الرأي العام العالمي والواقع الميداني لم يعد يحتملان التأخير أو التجاهل. حرب إبادة وتجويع تُشنّ، تُبيد شعبًا بأكمله تقريبًا.

في عالمٍ يعجّ بالصراعات، تُعدّ العدالة نادرة. هذه العدالة، وإن تأخرت، تأتي في وقتٍ تتفاقم فيه المعاناة، مانحةً الفلسطينيين بصيص أمل، ومذكّرةً العالم بأن قضيتهم لم تُنسى. اعتُبر تصريح ماكرون بدايةً نحو العدالة، وهي مسيرةٌ لم تنتهِ بعد.