مصطفى الفقي يكتب: الرابحون والخاسرون منذ سقوط الأسد

منذ 24 أيام
مصطفى الفقي يكتب: الرابحون والخاسرون منذ سقوط الأسد

قراءة حسابات المكسب والخسارة في غرب آسيا خلال الأشهر الأخيرة توفر مؤشرات مهمة يجب التركيز عليها لفهم التطورات والتحليلات المستقبلية. يُشير التقرير إلى تغيرات جذرية في المنطقة وتحولات كبيرة، وعلينا أن نكون واعين لتوازن القوى بين اللاعبين الرئيسيين، مثل إيران وتركيا والعرب وإسرائيل، تحت رعاية الولايات المتحدة وروسيا. لا يزال علينا انتظار الفصول القادمة ومراقبة المشهد بدقة وتأمل، لفهم التحولات القادمة بتلك الأوضاع.

 

أولًا: إن إيران فى ظنى أو نظام الحكم فيها على الأقل قد منيت مؤخرًا بخسائر واضحة على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية، إذ إن ما جرى لحزب الله فى لبنان محسوب على طهران بالدرجة الأولى، كما أن الموقف الصعب الذى مرت به الدولة اللبنانية فى الشهور الأخيرة يعد إضافة سلبية للوزن الإيرانى فى المنطقة، فحزب الله كان أكبر وكلائها وأهم أدواتها فى الصراع مع إسرائيل والمواجهة المباشرة لها، فجاءت الضربات التى بلغت ذروتها بمقتل زعيم حزب الله حسن نصرالله وعدد من رفاقه بعد مقتل إسماعيل هنية فى إيران، وهو الذى كان يقود حركة حماس ويعتبر نفسه قريبًا من طهران ومواليًا لها، ثم توالت مواكب الشهداء فى ظل ألحان حزينة بالمنطقة لا تؤمن بالضرورة فى مجملها بسياسات إيران، لكنها تدرك أن طهران كانت ولا تزال خصمًا مما حققته إسرائيل من مكاسب مرحلية فى الفترة الأخيرة، ولا شك أن الخسارة الفادحة الأكبر التى أصابت السياسة الإيرانية فى الشرق الأوسط هى فقدان الحليف الأهم، وهو أهم من حزب الله بالنسبة لها، وأعنى به الدولة السورية التى خرجت عن طابور الولاء لوكلاء إيران بعد سقوظ نظام بشار الأسد والتحولات الدرامية التى شهدتها المنطقة فى أعقاب ذلك، فلقد بدا واضحًا أن طهران قد تلقت ضربة صاعقة بالانهيار السريع لنظام الأسد فى دمشق ولجوئه إلى روسيا الاتحادية بعد أكثر من نصف قرن كانت فيه سوريا ترزح تحت حكم ذلك البيت العلوى الذى أصاب الجسد العربى عمومًا فى مقتل خصوصًا أن هوية الثوار الجدد القادمون من إدلب وما حولها من تنظيمات وميليشيات لا تزال كلها قيد البحث والفحص للتأكد من أن تغييرًا جذريًا قد طرأ على شباب تلك التنظيمات جعلهم ينضوون تحت رايات العروبة والولاء لدولة سورية موحدة ترفع شعارات التماسك والاستقرار، كما حملته منذ عصر معاوية الذى أسس للحكم على قاعدة الملكية الوراثية فى ظل الدولة الأموية التى حددت شخصية الشام الكبير ومكانة سوريا الإقليمية، إننى أظن أن إيران تواجه إعصارًا عاصفًا لم تشهد له مثيلًا منذ سقوط حكم الشاة ووصول الملالى إلى سدة الحكم.

ثانيًا: لا شك أن تركيا من أكبر الرابحين فى الأحداث الأخيرة فقد تحقق لها سقوط نظام الأسد الذى لم يكن على وفاق معها، وأضحت بالتالى هى التى تمسك بمفاتيح الحكم فى دمشق ولو بعد حين، وبذلك فإن ما خسرته طهران قد اكتسبته أنقرة تلقائيًا، واضعين فى الاعتبار أن الدولة العربية قد خسرت بذلك معركة أمام الترك، رغم أننا نظن أن نظام الأسد لا يستحق الأسف عليه خصوصًا بعد أن انتشرت فضائحه وجرائمه بحق المسجونين وأنواع التعذيب التى أتقنتها أجهزته التى تركت بصمات حزينة على وجه الشام وجعلت التنبؤ السياسى بما هو قادم أمر صعب، فالسياسة فرع من العلوم الاجتماعية التى لا تسمح مقدماتها بالضرورة بالتنبؤ الدقيق بالمستقبل القريب والبعيد، لأن كل الظواهر البشرية لا تخضع لحسابات رياضية محددة فهى ترتبط بالعنصر البشرى الذى لا يمكن القياس عليه بشكل حاسم، ولا شك أن شخصية رجب طيب أردوغان تعطيه مرونة واضحة فى المواقف السياسية وتعفيه من الالتزام بمبادئ وشعارات لا يرفعها علنًا فى كل وقت، فتركيا تصفى دائمًا حساباتها التاريخية مع العرب من خلال مواقفها من أحداث الصراع العربى الإسرائيلى، إذ إن أنقرة داعم علنى للفلسطينيين، لكنها أيضًا على صلات عادية بالدولة العبرية، لذلك فإننى أزعم أن تركيا رابح كبير من تلك الأحداث الأخيرة التى لا نعفيها من الضلوع فيها فقد تخلصت أخيرًا من الفصائل أو هى فى طريقها إلى ذلك كما أنها كانت داعمًا غير مباشر لتنظيم داعش الذى يحاول جاهدًا العودة إلى المسرح السياسى فى المشرق العربى خصوصًا سوريا والعراق. كذلك فإن أنقرة أصبح لديها قدم فى كل مكان على نحو يسمح لها بكبح جماح حزب العمال الكردستانى العدو الأول لنظام الحكم التركى.

ثالثًا: إن إسرائيل بلا جدال بكل أساليبها العنصرية والعدوانية وجرائمها المتعددة التى تمر بلا عقاب هى أكبر الرابحين فى المنطقة، وهى التى حققت مكاسب كبرى وأرباح هائلة خرجت بها من حربى غزة ولبنان فضلًا عن تدميرها للآلة العسكرية السورية فى ظل ظروف مشبوهة ودوافع لا تفسير لها، فمع سقوط نظام الأسد تحركت إسرائيل بشكل تلقائى وقامت بعملية تدمير شامل للبنية العسكرية السورية جوا وبرًا وبحرًا، فإسرائيل لا تضيع فرصة إلا وانتهزتها من أجل تحطيم جيرانها العرب والسعى القوى لتصفية القضية الفلسطينية، وها نحن نرى نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وهو يصول ويجول متباهيًا بما تحقق لإسرائيل مؤكدًا أنه يعيد رسم خريطة المنطقة، بحيث تصبح الدولة اليهودية هى مركز الثقل فى الشرق الأوسط.

رابعًا: إذا نظرنا إلى روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية فسوف نجد أن موسكو تدرك الخسارة الكبيرة لفقدان نظام بشار الأسد بل تعمل جاهدة على حفظ ما تبقى لها وتساوم وتقايض على قاعدتين بحريتين على المتوسط فى امتداد الساحل السورى فى منطقتى اللاذقية وطرطوس فى وقت تشير فيه النذر إلى احتمالات تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية ذات الأولولية الأولى لموسكو مهما كانت الظروف. أما عن الولايات المتحدة الأمريكية فحدث ولا حرج وكأن البيت الأبيض يستعد لاستقبال سيده الجديد بأفكاره الغريبة وسياساته الشاذة التى يصعب التنبؤ بنتائجها أو دراسة مسارها، إلا أن الأمر المؤكد أن القادم أسوأ مما مضى وأن العرب على مشارف مرحلة صعبة فى المنطقة نحتاج فيها إلى تكاتف عربى تقوده مصر والسعودية وتنضم إليه العراق والأردن وقطر والإمارات بل وكل دول الخليج والمشرق العربى، لأنه صراع أخير بين الحياة والموت فى منطقة شديدة الحساسية من قلب العالم العربى فى بؤرته متطلعين إلى المستقبل فى تفاؤل حذر أحيانًا وتشاؤم متأصل أحيانًا أخرى.. دعنا نرقب الأحداث ونتابع المشهد من قرب!

نقلًا عن الإندبندنت عربية


شارك