مصطفى الفقي يكتب: حرب بلا سقف.. دولة بغير حدود!
إسرائيل كيان مثير للجدل حيث تثير تصرفاتها وأفعالها الكثير من التساؤلات حول التعايش بين الشعوب. تعتبر إسرائيل أنها استخدمت أنواعًا مختلفة من العنف والقمع ضد الشعب الفلسطيني. لا تتورع عن انتهاك القوانين الدولية والاعتداء على المدنيين بكافة الأعمار. تمتلك دعمًا من الولايات المتحدة، مما يجعلها تتصرف دون تحفظ. تعتبر أفعالها غير مسبوقة في التاريخ، مما يجعل صعبًا التفاهم والتعايش معها في المستقبل.
أولاً: لم أدهش كثيرًا عندما رأيت نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل يطرح خريطة جديدة للشرق الأوسط فى خطابه أمام الأمم المتحدة، وكأنه مهندس الكون الأعظم ينظم الشرق الأوسط من جديد ويرتب أوضاعه وفقًا لأجندة إسرائيلية لم تختف أبدًا، فهى التى رفعت شعارها الكاذب (دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل) لذلك فهو يخرج من جرائمه ضد الشعب الفلسطينى متجهًا نحو دول الجوار بدءًا بلبنان المفترى عليه والذى تنهش أطرافه الطائرات العسكرية والمقاتلات الجوية والمدرعات الأرضية فى ظل شهوة التوسع والرغبة المجنونة فى تدمير كل شىء البشر والحجر بما فى ذلك الكنائس والمساجد، لأن لإسرائيل ابن شارد يقود التطرف ويحرك ما يسمى بجيش الدفاع نحو الهجوم الغادر والقتل المتواصل وقديمًا قالوا فى بلادنا (اصبر على جار السوء فقد تأتيك أخبار نهايته) ولكن جرائم إسرائيل قد امتدت كثيرًا ولم تتوقف أبدًا بل وصلت فى عدوانها إلى قوات حفظ السلام الأممية فأطلقت عليها زخات الموت فى إهانة واضحة للمجتمع الدولى والأمم المتحدة التى تمثله، وأستطيع أن أزعم هنا أن لإسرائيل أطماعا أرضية لا فى فلسطين وحدها أو لبنان معها بل إن أحلامها تمتد فعلاً إلى الأردن وسوريا والعراق فى محاولة لتثبيت أركان دولة العدوان وكيان الطغيان بعد أن كان العرب قاب قوسين أو أدنى من القبول بدولة إسرائيل شريطة الاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة وقيام دولتهم المستقلة على ترابها الوطنى، ولكن إسرائيل لا تريد ذلك إطلاقًا بل تراوغ لكسب الوقت وتثبيت الأوضاع على الأرض لخدمة خريطتها المزعومة. لذلك فإنها تنتهز كل الفرص وتختلق الأسباب لكى تقول أن لديها يدا طولى قادرة على الوصول لأى مكان فى الشرق الأوسط على حد تعبير وزير دفاعها فى تصريحات علنية يكررها للتخويف والإرهاب وترويع الشعوب وتطويع المجتمعات.
ثانيًا: إن إيران الدولة والثورة تحتاج هى الأخرى إلى مراجعة دورها فى المنطقة، فإذا أرادت أن تدعم القضية الفلسطينية بصدق فإن ذلك لا يتم إلا بالدعم السياسى المفتوح وتوظيف دورها مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأعوانها بما يخدم المصالح الفلسطينية، ذلك أن فتح ساحات جديدة للمواجهة قد أدى إلى توسيع نطاق هذه الحرب الإقليمية ومحاولة طمس الهوية الفلسطينية فى إطارها العربى، كما أن ذلك يستدعى بالضرورة إثارة النعرات الطائفية وإحداث فرقة على المستويين العربى والإسلامى ويفتح أيضًا بابًا لصراعات فرعية على الساحة الفلسطينية، وإذا تأملنا حجم الدمار والخراب الذى حل بإقليم غزة ونطاق الضاحية الجنوبية فى بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية والفلسطينية لأدركنا على الفور أن إسرائيل لا تسعى إلى السلام أبدًا ولا تقبل التعايش المشترك ولكنها تريد البقاء فى المنطقة بالقهر والتدمير والعدوان، وفى المقابل فإننا نرى أن إيران لديها مشروعها الخاص الذى يستفيد أيضًا من القضية الفلسطينية بتكريس وجود الدولة الفارسية على الحدود الشرقية للوطن العربى، وأحسب أن الدبلوماسية الإيرانية تسعى لأن تكون الشرطى الوحيد فى المنطقة فى منافسة مكشوفة مع الدولة العبرية، والعرب بين الفرس واليهود يصبحون بحق كالأيتام على مائدة اللئام! وأنا لا أزعم أن الخطر الإيرانى يتساوى مع الخطر الصهيونى على شعوب المنطقة العربية، ولكننى أدعى أن لكل منهما أجندة مختلفة ولكنها تلتقى فى الهدف وتمضى على نفس الطريق وهو احتواء شعوب المنطقة وقيادتها نحو غايات تتفق مع أهداف أى من إسرائيل أو إيران، ولقد شهدت مؤخرًا مقابلة تلفزيونية مع شاه إيران الأخير قبل رحيله بفترة وجيزة وهو يتحدث عن مستقبل المنطقة والدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل وذلك لتأكيد أهمية إيران الدولة قبل سطوة إيران الثورة.
ثالثًا: إن الأوضاع الدولية الراهنة وتشابك الملفات المحلية والإقليمية يجعل من الصعب الخلاص مما نحن فيه ويلقى على عاتق أجيالنا القادمة احتمالات استمرار المواجهة مع الاستعمار السرطانى الذى يجثم على صدر الشعب الفلسطينى ومعه شعوب الجوار، لقد آن الأوان لكى تتفرغ شعوب المنطقة للبناء والتنمية بعد أن استهلكتها الحروب والصراعات العسكرية ولا يحدث ذلك إلا بإرادة عربية قوية ورغبة قومية تدرك أن المخاطر تحيط بالجميع وأن مسلسل نزيف الدم فى المشرق العربى لن يتوقف إلا بتغيير جذرى فى التفكير الإسرائيلى مع اعتدال مطلوب فى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بحيث تدرك أن انحيازها المطلق لإسرائيل هو جريمة كبرى فى حق شعوب هذه المنطقة لأن سياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين قد أصبحت مكشوفة أمام الجميع حتى الشعوب الغربية ذاتها والتى رأيت مظاهراتها فى شوارع لندن فى أثناء زيارتى الأخيرة وهم يخرجون بعشرات الآلاف لنصرة الشعوب العربية التى تمضى أجيالها تحت ضغوط هائلة للاستعمار والعنصرية ومحاولات سرقة الشعوب واحتلال الأوطان.
هذه قراءة لملف غريب وعجيب لا يضع سقفًا للحرب ولا حدًا للعدوان وفوق ذلك كله فإنه يخفى أطماعه التوسعية بخريطة كاذبة ومعلوماتٍ مغلوطة وحروب لا تتوقف.